د. فايز الربيع
من الطبيعي في أي مجتمع من المجتمعات أن هناك تفاوتاً في الرزق هناك الغني وهناك الفقير ، هناك المسكين والسائل والغارم، وقد جعل الله سبحانه وتعالى إعطاء الفقير «حقاً» «وليس منّه» «وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم» ، عندما يشعر الأغنياء بمسؤوليتهم يزداد منسوب الرضى المجتمعي ، وتخف مسألة التفاوت الطبقي ، وتستقيم نظرة الأفراد بعضهم لبعض.
لم يكن التفاوت كبيراً في مجتمعنا سابقاً ، فالناس يكادون متقاربين في المعيشة والسكن، وحتى عندما يتجاور أصحاب الحلال (الغنم) ولا يكون لأحدهم غنماً ، كانت (المنوحة ) جزءاً من التقاليد الاجتماعية ، لقد انتشرت الجمعيات الخيرية في بلادنا كثيراً ، ويقوم الكثيرين جزاهم الله خيراً بمسؤولية اجتماعية تكفل الأيتام والأرامل والمعوزين ، ولكنها تبقى أرقاماً متواضعة بالقياس الى حجم الفقر والعوز ، فعشرات الدنانير لا تكفي أسراً لديها ، طلاباً في المدارس أو الجامعات ، وأمام غلاء المعيشة يصبح خطر الفقر رقماً مقلقاً في المجتمع ، وهنا تظهر اثار ذلك على الأسر والشباب ، فتنتشر الجريمة ، ويزداد التطرف ، ما أود أن أؤكد عليه وأوشر، الأرقام الكبيرة لأرباح الشركات والمؤسسات الكبرى والبنوك، فعندما تقرأ الميزانيات تكاد تلامس ارباحها جميعاً رقم المليار دينار فما هي النسبة المخصصة منها للمسؤولية المجتمعية ، تكاد أرقاماً لا تذكر بالقياس الى مجمل الأرباح ، أما كيف تنفق هذه المبالغ البسيطة فهي في الغالب بدون خطة ، فلا يوجد في هذه الشركات والبنوك ، قسماً خاصاً لدراسة حالات الفقر ، وتوجيه المبالغ المخصصة لها، وتبدأ عملية تصوير الفقراء وهم يستلمون طروداً ، لا تسد رمقهم ، ولا ترفعهم من حالة العوز الى حد الكفاية ولا أقول حد الكفاف ، فلا يكون الأثر واضحاً في مواجهة الفقر في المجتمع ، فلو قسمنا القرى الى قطاعات ، وقمنا في كل سنة ، برفع عدد منها ، من خانة الفقر ، بدلاً من هذه الدنانير البسيطة لكان ذلك أفضل وأجدى نفعاً.
ان مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات ومؤسسات ، تجد صعوبة بالغة وهي تلهث وراء هذه المؤسسات لتخصص لها بعضاً من المبالغ المالية لتنفيذ مشاريعها لا أقول فقط المجتمعية ، وإنما أيضاً الثقافية والإعلامية والوقائية والتنويرية ، وغالباً ما تتبرع هذه المؤسسات للأشخاص بحكم العلاقة الشخصية وليس للمؤسسات بصفتها المعنوية ، مع أن هذا حقاً لها، ضمن المسؤولية المجتمعية لمجمل الأرباح التي تجنيها هذه المؤسسات وهي في الأصل من أموال المجتمع.
لقد احسنت وزارة الأوقاف مثلاً عندما خصصت جزءاً من موارد الزكاة لصندوق الغارمات، ويمكن أن تنسحب أيضاً على الغارمين ، وتشجيع الوقف ليس لبناء المساجد فقط، وإنما للتعليم والصحة ومجالات أخرى تسهم في تنمية المجتمع وتطويره.
يقال ما ازداد الفقير فقراً الاّ بزيادة الغنيّ غنىً، الأرقام التي يخصصها أغنياء الغرب للفقراء ، ومعالجة المرضى، والمؤسسات الخيرية كبير بالقياس للأرقام التي يخصصها أغنياء العالم العربي ، الذين تتلى عليهم آيات الله في البذل والإنفاق وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة نحن بحاجة الى حملة إعلامية كبيرة تركز على هذا الجانب لنستنهض همم الأفراد والمؤسسات في البذل والعطاء ، ونقول « صوروا الفقر ولا تصوروا الفقراء لان ذلك أجدى في الأجر ولنفسية الفقير.